اليمن يبحث عن قلبه الضائع

بقلم: د. فياض النعمان
لا يزال اليمن يمر بمرحلة مفصلية تتراكم فيها آثار الحرب والانقسام السياسي والتدهور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ورغم الترويج المتكرر لمفاهيم السلام والمصالحة وإعادة الإعمار فإن جوهر الأزمة اليمنية لا يزال قائمة ومفتاح الحل لم يلامس بعد فاليمن بكل مكوناته يبحث عن قلبه الضائع قلب الدولة وقلب المواطن وقلب الهوية الوطنية.
الفقدان لم يكن وليد الصدفة أو نتيجة طبيعية لتحولات الزمن ولكنه جاء نتيجة انقلاب واضح ومباشر نفذته مليشيات الحوثي الارهابية عام 2014 حين أسقطت الدولة اليمنية ومؤسساتها الشرعية والدستورية وبدأت حرب عبثية ذات طابع سلالي مناطقي عنصري طائفي تم تسويقها عبر شعارات دينية زائفة وكاذبة ورهنت اليمن بالكامل للمشروع الإيراني الدخيل على اليمن والمنطقة.
لقد أدى المسار الانقلابي إلى تدمير البنية المؤسسية للدولة وخلق انقسامات اجتماعية ومناطقية عميقة وسحق مظاهر التعدد والتعايش داخل المجتمع ومع تمدد مايشيات الحوثي الانقلابية تحول التعليم إلى أداة تعبئة طائفية والإعلام إلى منصة ترويج للكراهية وتمت مصادرة المال العام وقمع الحريات وشيطنة كل ما هو وطني.
الحديث عن السلام في ظل هذه المعطيات يبقى قاصر ما لم يتم الاعتراف بجذور الأزمة ومحاسبة المتسببين فيها فالمصالحة الوطنية لا تبنى على المجاملة أو محو الذاكرة وانما على الاعتراف بالحقيقة والعدالة الانتقالية والمشاركة المتكافئة في صياغة مستقبل اليمن الحبيب.
وفي هذا السياق يبرز دور الشباب كعنصر محوري لا يمكن تجاوزه رغم معاناتهم من التهميش والتجنيد القسري وهجرة الكفاءات ظل الشباب اليمني حاضر في الدفاع عن قيم الدولة والدعوة للسلام والعمل المدني وهم الفئة الأقدر على إعادة تعريف الهوية الوطنية وترميم الشرخ المجتمعي والمضي نحو بناء وعي سياسي جديد لا يستنسخ صراعات الماضي.
إشراك الشباب في الحياة العامة ومنحهم المساحة اللازمة للتعبير والمشاركة واتخاذ القرار ليس خيار تكميلي وانما ضرورة استراتيجية لاستعادة توازن اليمن ومستقبله.
فإذا أردنا الخروج من هذه الدوامة فلا بد من تجاوز الحلول السطحية والتسويات الهشة والانطلاق نحو تشخيص جذري للأزمة ومواجهتها فكريا وسياسيا فاليمن لا يحتاج إلى هدنة مؤقتة ولكنه يحتاج إلى مشروع وطني يعيد الاعتبار للهوية اليمنية ويؤسس لدولة مدنية عادلة تتسع لجميع أبنائها.
فاستعادة قلب اليمن تبدأ من علاج الجرح ومحاسبة من تسبب به وتحرير القرار الوطني من الارتهان وتكريس مفاهيم المواطنة والشراكة الحقيقية فالشباب هم مفتاح هذا التحول وهم قلب اليمن النابض الذي يمكن أن يعيده إلى الحياة من جديد.