أمجد خالد.. رأس صغير في مشروع تخادم كبير: الجنوب الهدف والحوثي الشريك!

بقلم: أوسان بن سدة:
الضجيج الأخير حول أمجد خالد و”خلية مسقط” يبدو في ظاهره إنجازًا أمنيًا وسياسيا.. لكنه في الحقيقة لا يلامس جوهر الأزمة.
فالرجل مجرد رأس صغير في منظومة تخريبية أكبر.. عمرها أكثر من عقد.. تمتد جذورها من إسطنبول إلى الدوحة و لمسقط.. ومن مأرب إلى تعز لوادي حضرموت.. بينما تتوزع أذرعها السياسية والإعلامية والأمنية تحت غطاء “الشرعية” و”الجيش الوطني” ومن بعدها مجلس القيادة الرئاسي ومنظوماته.
منذ حرب 1994.. كانت معركة الجنوب ضد مشروع الهيمنة واضحة.. لكن الأخطر من الحرب كان ما تلاها: زرع وتغلغل خلايا الإخوان.. وتمكين الجماعات المتطرفة.. واستجلاب “الأفغان العرب”.. وتحويل الجنوب إلى ساحة مفتوحة للفوضى والإرهاب.
وحين هبت رياح الحراك الجنوبي.. بدأ التغيير واهتزت سيطرتهم.. لكن اجتياح 2015 كان لحظة فارقة… حيث سقطت “دولة الوحدة” في الجنوب بالكامل… ولم تبق إلا رايات مهترئة على معسكرات شمالية… سرعان ما أعلنت ولاءها للحوثي… ورفعت صرخته من داخل عدن نفسها قبل أن يتم سحقها.
جاء التحالف العربي… فأنقذ الجنوب عسكريًا… لكنه أخفق استراتيجيًا.. حين سلم قرار المعركة لعلي محسن الأحمر… وفلول الإخوان… ورجال “الجيش الوطني” الذين لم يروا في الحوثي عدوًا… بل اعتبروا الجنوب هو الساحة الوحيدة المتاحة للحرب.
منذ 2014.. بدأت التفاهمات الخفية بين إخوان اليمن والحوثيين.
وثائق مسربة… وتقارير صحفية دولية… تؤكد أن قيادات من التنظيم الدولي للإخوان اجتمعت مع مسؤولي الحرس الثوري الإيراني في تركيا.. بدعوة من أنقرة.. وبمباركة من الدوحة.
الاتفاق كان واضحًا: عدم استهداف الحوثي في الشمال… وضرب التحالف العربي.. ومهاجمة السعودية والإمارات من الداخل اليمني إعلاميًا وعسكريًا.
ولم تكن هذه التفاهمات وليدة اللحظة… فالتقارب بين الإخوان وإيران قديم… منذ أن صرّح مرشدهم مهدي عاكف في 2008 مؤكدًا أن لا مانع من التقارب مع إيران… ومادحًا “المقاومة الشيعية” في لبنان… يومها كان العدو المشترك واضحًا: الخليج… والسعودية تحديدًا.
بعد أبريل 2022.. انتقلت هذه المنظومة إلى مرحلة أخطر:
تسلل جزء منها إلى مجلس القيادة الرئاسي… وأصبح لديها اليوم غطاء سياسي.. وشرعية شكلية.. بل وقدرة مباشرة على تعطيل القرارات الاقتصادية والأمنية… وخلق الأزمات المعيشية في الجنوب… وإشعال الفوضى… كلما اقتربت المحافظات المحررة من الاستقرار.
“خلية مسقط” اليمنية ليست استثناء… بل جزء من منظومة أكبر…
كتائب إعلامية… جيوش سياسية… خلايا استخبارية… كلها تتحرك تحت شعار “الشرعية” وخارجها … لكن أجندتها الحقيقية: عرقلة الجنوب.. وضرب مشروع استعادة الدولة… ومنع أي تقارب جنوبي-إقليمي… قد يُنهي عبثهم المزمن.
والأخطر.. أن بعض الأطراف الشمالية… بل وبعض الأسماء الجنوبية داخل الشرعية (مجلس القيادة الرئاسي) … باتت جزءًا من هذه اللعبة… تبيع وهم “الوحدة”… وتدير فعليًا معركة تخريب اقتصادي وأمني… على حساب حياة الناس… واستقرار المجتمع.
اليوم… الجنوب لا يواجه الحوثي فقط… بل يحارب منظومة تخادم سياسي وأمني واستخباري… تجيد التلون… وتلبس كل يوم قناعًا جديدًا:
مرة “الجيش الوطني”…
مرة “المقاومة الوطنية”…
ومرة “المجلس الرئاسي”.
ويبقى السؤال:
إلى متى ستظل الرياض وابوظبي يراهنان على أدوات ثبت خيانتها… ويتركان الجنوب يدفع وحده ثمن هذه التوازنات القاتلة؟ وكان الجنوب وطن بديل للهاربين من هيمنة الحوثيين،كتركه يجري تقسيمها.
وأمامهم اختبار حقيقي:
إما أن تكسر هذه الدائرة المفرغة… وتُنهي مرحلة الرهان على قوى التخريب..
أو تتحمل مسؤولية استمرار الفوضى… وتعطيل الاستقرار… وفشل أي مشروع لتطبيع الحياة في الجنوب ومواجهة الحوثي.
الجنوب قالها أكثر من مرة… وسيقولها مجددًا:
لن نعود إلى مربع 94… ولا إلى مربع الفوضى… مهما كان الثمن .