مقالات الرأي

حضرموت.. صراع الكرسي المغلف بالمطالب المشروعة

بقلم: محمد النهدي

ضاع على حضرموت عامٌ كاملٌ من عمرها التنموي الثمين. عامٌ كان يمكن أن يحوِّل عجلة التنمية من مرحلة التعافي الاقتصادي إلى مرحلة الاستثمار المتنوع والمتعدد الأوجه. لسوء الحظ، تبددت هذه الفرصة دون طائل، ضحيةً لصراعٍ محتدمٍ حول منصب المحافظ. ما قُدِّمَ على أنه “مطالب مشروعة” لإصلاح المورد الاقتصادي الحيوي للمحافظة، بدا للكثيرين غلافاً لمشروعٍ سياسيٍ يهدف في جوهره إلى الوصول إلى “كرسي العرش”.

 

مارس حلف قبائل حضرموت ضغوطاً وحصاراً على هذا المورد الحيوي طوال عامٍ كامل، مُعللاً ذلك بضرورة تنظيمه وحماية عوائده من الفساد. ثم جاءت المفارقة الصارخة حين كشفت تقارير اللجنة التي شكَّلها الحلف نفسه عن ممارسات فسادٍ داخل المرفق ذاته. هذا التحوُّل السريع دفع بالكثيرين إلى الاعتقاد بأن “الفيلم الطويل” للإصلاح لم يكن سوى مسرحيةٍ هدفت في النهاية إلى تمهيد الطريق لترشيح أحد كوادر الحلف، القاضي، لمنصب المحافظ.

تساؤلات حول مرشح الحلف

مع الاحترام الواجب لشخص القاضي، يرى مراقبون كثُر مبرراتٍ متشابكةً تعترض توليه المنصب الأرفع في حضرموت، منها:

1. سياسياً: يُنظر للقاضي على أنه محسوبٌ بشكلٍ كبيرٍ على “حلف القبائل والجامع”. وهنا يطرح السؤال: كيف يمكن لمن يُنسب إلى تحالفٍ سياسيٍ أثبتت كوادره – حسب رأي هؤلاء المراقبين – فشلاً في إدارة الحقائب الموكلة إليهم سابقاً، أن يحقق النجاح المنشود؟

2. قبلياً واجتماعياً:ينتمي القاضي بوضوحٍ إلى الحلف القبلي الداعم له. وهذا يثير مخاوف جدية من أن تؤدي سيطرة هذا المكون الواحد إلى تهميش الفئات الاجتماعية والسياسية الأخرى في حضرموت، تحت شعار “من لم يكن معنا فلن يكون له مكانٌ بيننا”، مما يقوّض مبدأ المشاركة والتمثيل العادل.

3. الرجل الزئبقي

يُوصف القاضي أحياناً بـ”الرجل الزئبقي” لتنقله بين أدوار سياسية واجتماعية متنوعة، مما يجعل تصنيفه وتقييم نواياه المستقبلية مهمةً صعبة. كما يُخشى من تأثير القوى القبلية أو النافذة على قراراته المستقلة.

غياب التوافق الحضرمي

يعد منصب المحافظ حساساً ويتطلب توافقاً واسعاً بين المكونات الحضرمية كافة. يرى كثيرون أن ترشيح القاضي جاء من طرفٍ واحد (الحلف) دون توافقٍ شامل، مما يجعله “مرشح الطرف الواحد” وليس الشخصية التوافقية التي تحتاجها المحافظة في هذه المرحلة. وإن حصل توافقٌ، فهو – برأيهم – قد يكون مجرد تسوية سياسية (مثل “القاضي مقابل الخيام”) تفرغ قضية الحكم الذاتي المطروحة من مضمونها.

كما يُعتقد أن القاضي مارس في السابق خطاباً سياسياً تصادمياً أو استبعادياً، مما خلق له خصوماً داخل المنظومة المحلية. هذا قد يؤدي، في حال توليه المنصب، إلى استمرار المماحكات وضياع المزيد من الوقت الثمين في التجاذبات بدلاً من التنمية. كما يخشى البعض من أن يُستغل موقعه لتعزيز مطالب جهوية متصلبة قد تدفع نحو الصدام مع المركز وتعطيل مصالح المحافظة.

ليس انتقاصاً من الدور القبلي

من المهم التأكيد أن هذا التحليل ليس انتقاصاً من دور المجتمع القبلي كأحد مكونات حضرموت الحيوية. القضية الأساسية هي عندما يُقدَّم “رجل حضرموت الأول” مدعوماً بشكلٍ مفرطٍ ومحسوبٍ على حلفٍ قبليٍ واحدٍ دون إجماعٍ حضرميٍ حقيقي. هذا الدعم الأحادي الجانب يولد مخاوف مشروعة من غموض المواقف، وتقلبها، وعدم وضوح المعالم التكتيكية، وأهم من ذلك كله، غياب التوافق العام الضروري لقيادة المحافظة في مرحلة حساسة.

السؤال المحوري

يظل السؤال الأهم: ما الذي تحتاجه السلطة المحلية في حضرموت لتحقيق النجاح؟ الجواب يتلخص في: استقرار إداري حقيقي، خطط استراتيجية واضحة ومسبقة، ودعم فعّال لمنظمات المجتمع المدني والقبلي لتعمل في إطار المصلحة العامة.هذه هي الأسس التي لا غنى عنها. فهل وفَّرنا هذه المقومات لقيادة محلية ناجحة؟ هذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه حضرموت، بعيداً عن صخب الصراع على الكرسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
arArabic