
بقلم: أحمد النهدي
في قلب العليب، حيث تلتقي الأصوات وتتصارع الرؤى، يتجدد المشهد الحضرمي بفصولٍ تحمل في طياتها مفارقاتٍ تثير التساؤل. فبعد زيارة “عَمرو” الأخيرة إلى السعودية، واجتماع “العيون” الذي هدّد بزعزعة هيمنة القيادة التقليدية على حلف قبائل حضرموت، جاء اجتماع السبت ليُذهل المراقبين ببيانٍ اختِتاميٍّ أشبه بصدى مكرَّر لخطابٍ عفا عليه الزمن! فكيف يُعلن الحلف عن إصراره على “الحكم الذاتي” دون خُططٍ تفصيلية، أو لجانٍ فاعلة، أو حتى حوارٍ جاد مع المحليين والدوليين؟! وكيف تُختزل مطالب شعبٍ كامل في ندوتين متواضعتين، ثم يُعاد إنتاج ذات العبارات عن الكهرباء والخدمات، وكأن الزمن يدور في حلقة مفرغة؟
اللافت أنَّ الاجتماع، رغم الحشد الإعلامي الضخم، لم يقدِّم سوى رسالةً واحدة: تمسُّك النخبة الحالية بزمام الأمور، رغم غياب تمثيل حقيقي للطيف الحضرمي الواسع. فالكثير من المرجعيات القبلية ذات الثقل آثرت الوقوف مع السلطة المحلية واللجنة الأمنية، مُعلنةً رفضها للاستعراضات القبلية التي لا تبني إلا “أبراجاً من رمال السلطة”، بينما يتوق السواد الأعظم من الحضارم – عشاق السلام والبناء – إلى قانونٍ يحمي الجميع، وإلى حوارٍ يخلو من صليل الأسلحة ووعيد العشائر.
هنا تُجسِّد تغريدةُ مثقفٍ حضرمي الجرحَ النازف: *”أينما حلَّ فكر القبيلة مات العقل، واستيقظت الهياكل من مقابر التاريخ”*. فهل يُعقل أن تتحول القبيلة من “مُصلحٍ لذات البين” إلى صانعة قرارٍ تُغيِّب صوت العقل؟! إنَّ اللعبة الخطيرة التي يخوضها البعض – تحت شعارات برَّاقة – قد تُعيد حضرموت إلى زمن الفوضى، بينما الحلُّ يكمن في طاولات الحوار، وفي خطواتٍ قانونيةٍ تُترجم المطالب المشروعة إلى واقعٍ ملموس.
أما أولئك الذين يراهنون على “سلطة الأمر الواقع”، فليتذكروا أن التاريخ لا يرحم من يركبون موجات التحدي دون بوصلةِ مصلحةٍ عامة. فحضرموت التي عشقت السلام وَنَهِلَت من حكمة الأجداد، لن تقبل إلا ببناءٍ يستند إلى شرعية القانون، وإلى رؤيةٍ تليق بإرثها الحضاري.
تقبَّل الله جمعكم.. والى وقفةٍ أخرى مع المشهد الحضرمي المتجدد.