مقالات الرأي

غيل باوزير: ضحية الإهمال المُمنهج والاستخفاف المُتعمد

بقلم: طه بافضل

في قلب حضرموت، حيث التاريخ يروي حكايات المجد في العلم والماء وأشياء أخرى، تقف غيل باوزير كشاهد صامت على إهمالٍ مُمنهج واستخفافٍ مُتعمد من قبل السلطات المحلية في المكلا. هذه المديرية، التي كانت تُعرف بوفرة مياهها وخصوبة أراضيها، أصبحت اليوم تُصارع الجفاف ليس بسبب قلة الأمطار، بل بسبب سياسات الإهمال والسحب الجائر للمياه الذي يتم تصديره إلى المكلا، وكأن غيل باوزير ليست سوى خزان مياهٍ يُفرَّغ لصالح العاصمة، وليتها تقابل بالحب والوفاء.

الطرقات: أحلامٌ معلقة منذ عقود
لنبدأ بالطرقات، تلك الشرايين التي يفترض أن تربط المدن والأحياء السكنية وتنقل الحياة. في غيل باوزير، الطرقات ليست سوى أحلام معلقة منذ عشرات السنين. لا مشاريع، لا تطوير، لا حتى صيانة بسيطة. الطرقات هنا تشبه إلى حد كبير أحلام المواطنين: مليئة بالحفر والمطبات، ولا تؤدي إلى أي مكان سوى إلى مزيد من الإحباط. السلطات المحلية في المكلا تبدو وكأنها تعيش في عالم موازٍ، حيث غيل باوزير ليست سوى بقعة جغرافية لا تستحق الاهتمام.

السدود: حلٌ مُغيب لمشكلة الجفاف
رغم الجهود المجتمعية المتواصلة على مدى فترات زمنية متعاقبة إلا أن مشاريع السدود، التي يُفترض أن تكون حلاً لمشكلة الجفاف، فهي مجرد حبر على ورق. المياه التي كانت تتدفق في أرض غيل باوزير تُسحب بلا رحمة وتُرسل إلى المكلا، تاركة خلفها أراضي جافة ومواطنين غاضبين. السدود التي كان من الممكن أن تحفظ مياه السيول وترفع منسوب المياه الجوفية، أصبحت مجرد أمنيات بعيدة المنال. وبالرغم من الأوامر الحكومية بمنع اي حفر جديد للآبار إلا أنه ضرب به عرض حائط الاستهتار واللامبالاة، هل يعقل أن تُحرم منطقة تشتهر بالماء من هذا المورد الحيوي؟ يبدو أن الإجابة هي نعم، طالما أن السلطات في المكلا تعتبر أن “قتل الغيلي وخل الحنش” هو شعارها المُفضَّل.

العقار والمخططات السكنية: فوضى بلا حلول
وفيما يتعلق بمشاكل العقار والمخططات السكنية، فإن الفوضى هي الكلمة الأنسب لوصف الوضع. التلاعب بالمخططات، العبث بالعقارات، وغياب الحلول الناجعة كلها أمور تُضاف إلى قائمة الإهمال الطويلة. المواطن في غيل باوزير يشعر بأنه يعيش في منطقة بلا قانون، حيث حقوقه تُهدر وأحلامه تُدفن تحت ركام البيروقراطية والفساد. هذا لايعني عدم الإشارة إلى بعض الجهود التي سعت للمحافظة على مصالح الدولة وأنجزت شيء من كبير من ذلك، ولكن ماتزال المطالب والتراكمات الخاطئة تلقي بظلالها.

الرياضة والخدمات الصحية: إهمالٌ مُتعمَّد
ولا ننسى الجانب الرياضي، فبالرغم من التاريخ المجيد للغيل في هذا القطاع المهم ومآثر نادي أهلي الغيل الذي يعد من أفضل أندية الجنوب قبل الوحدة اليمنية، ووفرة رياضييه وشهرتهم، وكثرة مواهبه وكوادره في العديد من الرياضات، إلا أنه طاله للأسف الإهمال الكبير، حيث ملعب بن سلمان القديم المنهك، الذي أصبح أشبه بخرابة لا تصلح حتى لإجراء مباريات دوري الفرق الشعبية الكبيرة فما بالك بالأندية! هذا الإهمال ليس وليد الصدفة، بل هو جزء من سياسة مُتعمدة لتهميش المديرية في كل المجالات. الخدمات الصحية والتنموية أيضاً ليست أفضل حالاً، حيث يُنظر إلى غيل باوزير كمنطقة ثانوية لا تستحق الاهتمام، وقبل فترة قريبة ثم تصنيف المركز الصحي بالغيل إلى مستشفى ومع ذلك ماتزال الخدمات الصحية ليست بالشكل المطلوب.

سوء اختيار المسؤولين: الفشل المُكرَّس
سوء اختيار المسؤولين الذين يُديرون شؤون المديرية هو العامل الأكثر إثارة للسخرية. يبدو أن المعيار الوحيد لاختيار المسؤولين هو مدى ولائهم للسلطة المركزية التي تحكم من قبل الحزب الحاكم السابق، ومدى خنوعهم وطاعتهم العمياء للحاكم في المكلا، وليس كفاءتهم أو قدرتهم على خدمة المواطنين والالتصاق بهم وسهولة تعامله معهم بالسعي الحثيث قدر المستطاع للتخفيف عنهم. لا يعني ذلك عدم امتثالهم للأوامر الحكومية بل هو أصلا ممثلا عن السلطة، يترك صورة ممتازة لها في نفوس المواطنين وليس تشويهها، ولكن الغيل تحتاج إلى المدير صاحب شخصية وخبرة ومبادرة والتصاق بالناس ونظرته العادلة للجميع دون تحيز أو حويفية أو مناطقية، بل ولاء لمديريته التي يديرها وأنه إنما جاء لأجلها ولأجل مطالب مواطنيها وحل مشكلاتهم وهو مما سيقوي ولاء المواطنين للسلطة وليس سخطهم ونفرتهم، النتيجة؟ فشل مُكرَّس وإهمال مستمر.

غيل باوزير تستحق الأفضل
غيل باوزير، هذه المديرية العريقة، تستحق أكثر من أن تكون ضحية للإهمال والاستخفاف. المواطنون هنا ينظرون بأسف إلى السلطات المتعاقبة في المكلا، التي تتعامل معهم وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، وربما درجات أقل، إن “قتل الغيلي وخل الحنش” ليست مجرد مقولة، بل هي سياسة تُطبق بحذافيرها. ولكن السؤال الذي يبقى معلقاً في الهواء: إلى متى سيستمر هذا الإهمال؟ وإلى متى ستظل غيل باوزير تُكافح من أجل حقوقها الأساسية التي تُهدر يومياً؟

هذا المقال ليس سوى صرخة في وجه الإهمال، محاولة لإيقاظ الضمائر النائمة التي تتعامل مع غيل باوزير وكأنها أرض بلا أهل. فهل من مُستجيب؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
arArabic