مقالات الرأي

سيكلوجية السيكل

بقلم: د. أحمد باحارثة

من منا من لم يشكُ من مكالفة سائقي الدراجات النارية، المعروفة محليًا بالسياكل، وما يسببونه في الخطوط من مشاكل، ومن منا لم يسمع بحوادثها المروعة التي كثيرًا ما تؤدي بسائقيها وراكبيها إلى ركوب الجنائز، أو إلى الإصابة بعاهة يصبح بها حاملًا عصاه كالشيوخ، أو تركنه في البيت كالعجائز، ومع تتابع تلك المصائر البائسة مع استمرار سائقي السياكل في التزام سلكوهم المزعج، دون اعتبار أو اعتدال، نريد أن نفهم السيكلوجية أو النفسية التي تتلبس سائق السيكل بمجرد امتطائه لصهوة سيكله، وتتمثل في ثلاثة حالات: حالة استمتاع الصغير بمنافسة الكبير مثل توم وجري، وحالة تقصد المضايق لاستعراض المهارات، وحالة استغلال الاستضعاف في التحدي.

القوانين الرخوة و التعاطف الغبي يغري سائق السيكل في تحدي المركبات وتجاوزها

وبسبب الحالة الأخيرة نرى سائق السيكل يعرض لسيارة تمشي أمامه أو بجانبه، وهو متأكد أن سائقها سيضطر لتهدئة سرعتها أو إفساح المجال له، لعلمه بضعف أو هشاشة وضعية سائق السيكل المكشوف، مشفقًا على ما يمكن أن يحدث له من إصابة قد تودي بحياته، مع معرفته أيضًا بالقوانين التي تقف في صالحه، بل إن اللوم حتى من عامة الناس سيقع عليه كيف لم يتحسب لهذه المركبة الضئيلة التي تمشي على عجلتين، وراكبها مكشوف وأدنى احتكاك سيؤذيه، فتلك القوانين الرخوة، وذلك التعاطف الغبي، يغري سائق السيكل في التحدي والتمادي، ولاسيما أنه يتعود مع الوقت تجنب سائقي المركبات، وتحسبهم له غالبًا؛ لهذا إذا وقع خطأ بسيط من بعضهم تجد صوت سائق السيكل هو الأعلى في الاحتجاج، إلى درجة الوقاحة.
وهذا الأمر يشعر سائق السيكل نفسيًا بالنشوة أنه بسيكله الضئيل تتجنبه السيارات الكبار، فتجتمع عند لذتان؛ لذة الشعور بالغلبة أن الكبير هو من يهابه أو يخافه ويفسح له الطريق، واللذة الأخرى هي الانتصار بأنه هو من استطاع أن يتخطاها ويسبقها، وهي تمثل بالنسبة لعبة أشبه بلعبة الكرتون توم وجري، حيث يتغلب الفأر الضئيل على الهر الكبير.
وهو في أثناء هذا التحدي وفي غمرة تلك اللذائذ المتتابعة مع سبقه لكل سيارة يجهد في تتبع أو تحري مضايق الفراغات بين السيارات، ولاسيما عند الزحمة، وحتى في غير الزحمة بحكم التعود، فهي تشكل له فرصة لإظهار مهاراته في تخطي الحواجز، وتجاوز الفراغات الضيقة بين المركبات المتقاربة، وينسى أو يغفل أن تلك الفراغات والمضايق متحركة وغير ثابتة، كما لا يأخذ بالا أو يعمل حسابًا لمزاج سائق السيارة أو نفسيته، أو نيته في تغيير سرعة السيارة، أو وجهتها، أو باستغلال فراغ أمامه يسبقه إليه.

حوادث الدراجات النارية المروعة كثيرًا ما تؤدي بسائقيها وراكبيها إلى ركوب الجنائز، أو إلى الإصابة بعاهة أو تركنه في البيت كالعجائز

وكم تعاني أعصاب سائقي المركبات في الخطوط العامة من هكذا تصرفات يرونها عبثية وطفولية من سائق السيكل، الذي ينسى في خضم ذلك التعاظم المزيف الذي يغشي نفسيته وعقله أنه هو المعرض الأول للخطر، إذا لم ينتبه له سائق مركبة في حالة غفلة منه؛ لسبب أو لآخر، فتحدث الكارثة ويموت البطل الصغير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
arArabic