حضرموت: بين “الميازينِ” والمَوازينِ”
سالم بامؤمن- حضرموت نيوز
بينَ “الميازينِ” التي تَزنُ الأطنانَ، و”المَوازينِ” التي تَزنُ العدلَ والمساواة والقانونَ، تقعُ حضرموتُ في مأزقٍ دراماتيكيٍّ، اختَلَّت فيه شوكةُ الميزانِ، وتأرجحتْ فيه معادَلاتُ التَّمييزِ بينَ الحقِّ والباطلِ، ليَصْبِحَ معَها الصَّوابُ خطأً، والخَطأُ صوابًا. نعم، اختَلَّتْ “مَوازينُ” عصرِنا، وبَقِيَتْ “ميازينُ” جُمودِنا هيَ المُتحكِّمَةُ في تَصريفِ الأمورِ. وقديما، قالَ المُحضارُ:
“وذا كُلّه مِنَ العشقه،؟ حينه خَلَّتِ الميزان بوشوكه هفي”
ولا أَدري ما هيَ “العُشْقَةُ” التي “ودفت” بصاحبِنا عمرو بن حبريش، والحاضرينَ معه في اجتماعِ “العَلِيب”اليومَ، وجعلتْ شوكةَ ميزانِهم تَختَلُّ نحوَ التَّفريطِ في آخِرِ المَخارجِ الآمِنَةِ التي كانَ من المُمكنِ أنْ تُحافظَ على ماءِ الوَجهِ، بكُلِّ كرامةٍ وشَرَفٍ.
فالواضحُ أنَّ التَّعَنُّتَ كانَ هوَ الكُفَّةُ الخائبةُ التي كَسَرَتْ ميزانَ الحلفِ، و”لَخْلَخَتْ” مَفاصِلَهُ، بما وردَ في البيانِ من كلماتٍ مُتَناقِضةٍ، ومُفارقاتٍ مُتَضَارِبَةٍ، لا تفسيرَ لها إلا أنَّ الحلف يَسيرُ نحوَ المجهولِ.
فَالحَدِيثُ عنِ استحقاقاتِ حضرموتَ، و”حقوقِها”، كلماتٌ عظيمةٌ، بلا شكٍّ، لكنَّها تَخْفِي تَحْتَها مُطالِبًا غامضةً، ومُبْهَمَةً، تَفتَقِرُ إلى الوضوحِ والشَّفافيةِ، وكأنَّ الحلفَ يُريدُ أنْ يَزنَ المُطالِبَ بِ”ميازينِهِ” الخاصةِ، بعيدًا عنْ “مَوازينِ” الدولةِ والقانون، وأن كانت موازين الدولة هي الأخرى مختلة أيضا، لكن ذلك لا يعني سلوك هذا الطريق.
فالبيان يتحدث عن “الحُكْمِ الذاتيِّ”، كأنه وصفةٌ سحريةٌ تُحِلُّ جَميعَ مَشاكِلِ حضرموتَ، لكنَّ الحُكْمَ الذاتيَّ، كما يُعرَفُ، ليسَ مُجَرَّدَ شعارٍ يُرَدَّدُ، بل هوَ عمليةٌ مُعَقَّدةٌ، تَتَطَلَّبُ تخطيطًا دقيقًا، وَتَفاوُضًا بناءً، وَقبولًا مِن جَميعِ الأطرافِ. فهلْ فَكَّرَ الحلفُ في التَّكاليفِ الاقتصاديةِ والأمنيةِ لمثلِ هذهِ الخُطْوَةِ؟ أمْ أنَّهُ يُريدُ بِبساطةٍ أنْ يَحْكُمَ حضرموتَ بِـ”ميازينِهِ” الخاصَّةِ، مُتَجاهِلاً “مَوازينَ” الدولةِ؟
ويُدِينُ البيانُ “السُّلْطَةَ الحاليةَ”، مُتَّهِمًا إياها بِالفسادِ وَعَرقَلَةِ المُطالِب، لكنَّ هذهِ الاتهاماتِ تَفتَقِرُ إلى الأدِلَّةِ الدامغةِ، وَتَشْبَهُ إلى حَدٍّ ما “الوزنَ” بِـ الميزانِ” الخاصِّ، بعيدًا عنْ “مَوازينِ” الحقيقة والانصاف.
وَختامًا، يَبْقى السؤالُ الأهم : هلْ يُريدُ حَلْفُ القَبائِلِ حَلًّا عادِلاً و مُسْتَدَامًا لِمَشاكِلِ حضرموتَ، بناءً على “مَوازينِ” الحقِّ، أمْ أنَّهُ يُفَضِّلُ “ميازينَهُ” الخاصَّةِ، التي تَزنُ الأمورَ بِمُقاييسِهِ الشَّخصيةِ؟
إنَّ السَّخْرِيَّةَ تَكْمُنُ في تَعارُضِ الأهدافِ وَالوسائِلِ، بينَ “الميازينِ” و”المَوازينِ”. فهلْ تَسْتَطيعُ حضرموتُ أنْ تَجِدَ طريقَها هنا، أمْ سَيَبْقى السؤالُ مُعلَّقًا في الهواءِ، بينَ “الميازينِ” و”المَوازينِ”؟