مخاطر الهيمنة الغربية على استقرار المنطقة العربية
بقلم: عبدالوهاب بحيبح
تواجه المنطقة العربية اليوم وضعًا أكثر خطورة وتعقيدًا مما شهدته في اتفاقية سايكس-بيكو عام 1916 ونكسة 1967. الخطر الحالي يتمثل في التراجع الحاد للتوازن الدولي الذي كان قائمًا خلال فترة الثنائية القطبية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، والتي كان يناور العرب في حدود هذه القطبية ما بين المتناقضين لحماية مصالحهم.
اليوم أصبحت القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، تفرض رؤيتها وشروطها وتوجهاتها بشكل مباشر في المنطقة. بينما تعمل إسرائيل القاعدة العسكرية الأكبر للغرب في المنطقة، على توسيع نفوذها دون وجود قوة إقليمية أو دولية قادرة على موازنة هذا التحرك، كما سيضاعف الأمر سوءا عودة ترامب الداعم بكل قوة لسياسات إسرائيل وخطواتها وأطماعها.
لا يمكن إغفال دور إيران التخريبي في المنطقة حيث استخدمت ميليشياتها لضرب الكيان العربي وتقويض استقراره
بنظرة سريعة على خارطة المنطقة، يظهر بوضوح وجود مخطط لتفتيت الدولة الوطنية إلى كيانات متناحرة، هذا ما نراه في السودان، وليبيا، واليمن حيث تُمزَّق الدول من الداخل تحت ذريعة الأزمات السياسية أو الطائفية، أو من خلال إسقاط النظام بالقوة كما حصل في العراق، كما وليس من الواضح الآن إلى أين تتجه سوريا.
لا يمكن قراءة هذا الواقع بمعزل عن المصالح الغربية، وخصوصًا الأمريكية، التي تهدف إلى ضمان أمن إسرائيل وتوسيع نفوذها عبر تفكيك الدول العربية وبالذات المحيطة بها وإضعافها، مما يجعلها غير قادرة على تشكيل تهديد أو حتى حماية مصالح شعوبها. لا أطرح هذا من منطلق الإيمان بنظرية المؤامرة، ولكن بقراءة واقعية لمجريات الأحداث. ولا يعني رأيي هنا أن الدول العربية لا تواجه مشاكل داخلية وغياب الديمقراطية وأسس العدالة الاجتماعية، وتعاني من مشاكل هيكلية، وهذا ليس محور حديثي هنا.
كما لا يمكن إغفال الدور التخريبي الذي قامت به إيران منذ سقوط العراق وصولًا إلى اليوم، حيث استخدمت ميليشياتها لضرب الكيان العربي وتقويض استقرار عدد من الدول العربية، وارتكبت أفظع الجرائم في سوريا واليمن والعراق ولبنان، مدفوعة بأطماع توسعية، هذا المشروع التخريبي لم يكن سوى عامل ممهّد لإعادة تشكيل المنطقة ما بعد سايكس-بيكو، حيث تدخل اليوم المنطقة العربية مرحلة جديدة تحمل ملامح مختلفة نتيجة لتداعيات هذا المشروع وما خلّفه من أزمات وتغيرات عميقة في بنية النظام الإقليمي.
الدول العربية أصبحت مهددة بالتفتيت من الداخل تحت ذريعة الأزمات السياسية أو الطائفية
السؤال الذي نواجهه اليوم: هل ستستمر الدول العربية في التعامل مع هذه التحديات كأزمات فردية تخص كل دولة بمفردها، أم ستواجهها عبر مشروع عربي مشترك يحافظ على ما تبقى من الكيان العربي؟ مواجهة هذا الواقع تتطلب إرادة سياسية عربية جامعة تعيد الاعتبار للدولة الوطنية وتضع مصلحة شعوب المنطقة وحدود دولها في صلب أي معادلة إقليمية أو دولية، فالسكوت اليوم هو بمثابة القصة المعروفة أُكلت يوم أكل الثور الأبيض.